في السابق، كنتُ مؤيداً للاندماج، الاندماج الذي يقوم على التقاء ثقافتين في نقطة ما وانصهارهما معاً وتشكل ثقافة ثالثة.
(adsbygoogle = window.adsbygoogle || []).push({});
أثار المؤرخ، Uffe Østergård، الاهتمام والانتباه في الأسبوع الماضي عندما قال في صحيفة الـ يولانس-بوستن، لا يكفي على الأجانب الاندماج في المجتمع الدنماركي، وإنما عليهم أن يتمثلوا (ينصهروا) ويصبحوا لوثريين إذا ما أرادوا العيش في الدنمارك. هذا التصريح أغضب الكثيرين، لأن الكثيرين فسروا كلماته بأنه على الجميع أن يصبحوا مسيحيين ويأكلوا النقانق. لكن كان عليهم أن يقرأوا كتابه،”لماذا الدنماركيون دنماركيين”.
إذا ما دقق المرء قليلاً فيما يقوله المؤرخ، Uffe Østergård، فإنه سيجد أن لكلامه معنىً. في هذا البلد لدينا حرية الاعتقاد، ولا ينبغي فهم اللوثرية في السياق الديني، وإنما في السياق الثقافي. هو يريد أن يكون المسلمون أقل تشدداً في علاقتهم بدينهم. أي أنه لا ينبغي على الأجنبي أن يأتي إلى هنا ويُطالب المجتمع بأن يتكيف مع معتقداته الدينية وعاداته الثقافية، لكن على المرء أن يتكيف مع المجتمع الذي اختار العيش فيه. لا ينبغي أخذ الانتقادات الدينية على محمل شخصي. في الدنمارك فصلنا بين الأمور الدينية والدنيوية. “أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله”.
تعود اللوثرية إلى حركة الإصلاح الديني، والتي شكلت وبعدة طرق نواة ما نسميه اليوم “دنماركي”. بغض النظر سواء أكنت متديناً أم لا. لا يمكننا تجاهل أن اللوثرية تتخلل المجتمع الدنماركي. إنها جزء منا، ومن عقليتنا. بل وحتى طريقة بناء مجتمعنا بأكمله.
العديد من المسلمين قادمين من أماكن لا يثقون فيها بالنظام والمواطنين الآخرين، لكن من المهم فهم أن الثقة بالمجتمع والولاء للمواطنين هو جزء أساسي من المجتمع الدنماركي. ويكمن الولاء في جملة من الأمور منها أنه علينا جميعاً المساهمة. عليك أن تعمل، وأن تدفع الضرائب، عليك أن تُعيل نفسك، إذا لم تستطع أن تفعل ذلك لسبب أو لآخر فإن الدولة تقدم المساعدة. يستند نظام الرعاية الاجتماعي على الأفكار المسيحية حول محبة الآخرين، لكنها تفترض أيضاً أننا جميعا مخلصين. لذلك نقوم بدفع الضرائب مع متعة. بعبارة أخرى، الأمر لا يدور فقط حول أن للمرء حقوقٌ، إنما أيضاً واجب المساهمة في المجتمع.
في السابق، كنتُ مؤيداً للاندماج، الاندماج الذي يقوم على التقاء ثقافتين في نقطة ما وانصهارهما معاً وتشكل ثقافة ثالثة. وهذا ما يسمى أيضاً بالتعددية الثقافية. إلا أن التعددية الثقافية فشلت في أماكن متعددة. المجتمعات الموازية تخلق حالة من عدم الاستقرار. هذا، ما غيّر موقفي من الاندماج. لدينا اليوم في الدنمارك مسلمين من الجيل الثالث والرابع ما زالوا في معارضة مستمرة للمجتمع. ما زال ولائهم لبلدان أباءهم وأجدادهم أكثر من ولائهم للبلد الذي وُلدوا فيه وأعطاهم كل شيء. كما أنهم يرفضون التعريف بأنفسهم كدنماركيين.
إذا أردنا التمسك بمجتمعنا المتجانس، فأنا أتفق مع المؤرخ، Uffe Østergård بأنه يجب على أولئك الذين يأتون من الخارج أن يتكيفوا مع أساسيات المجتمع. لا يجب عليهم أن يتمثلوا فقط فيما يتعلق بالديمقراطية وتشريع القوانين، إنما ثقافياً أيضاً. ويمكن القيام بذلك دون أن يكون على المرء أن يتخلى عن من هو. اليهود مازالوا يهوداً، على الرغم من أنهم متمثلين (منصهرين) ثقافياً. هم جزء من المجتمع الدنماركي، ولا يطالبون بحقوق خاصة طوال الوقت.
البعض يقول إن التعليم هو الطريق من أجل الاندماج والتمثُّل (الانصهار)، إلا أن التعليم ليس ضماناً، العديد من المسلمين المتعلمين أعضاء في حزب التحرير (حزب التحرير تكتل سياسي إسلامي يدعو إلى إعادة دولة الخلافة الإسلامية وتوحيد المسلمين تحت مظلة دولة الخلافة – المترجم.)، وقيل لي أن بعض أشد المتطرفين يدرسون في معهد Panum Instituttet ( جزء من جامعة كوبنهاغن ويضم كليات العلوم الصحية والطبية- المترجم).
لذلك التعليم والعمل وحدهما لا يكفيان، الأمر يتعلق على وجه الخصوص بالقيم. بالنسبة لي أرى أن بعض القيم أفضل من غيرها، وهنا قيم الحرية هي الأفضل. لدينا الحق أن نقرر حياتنا الخاصة، وأن نقرر بخصوص أجسادنا، حياتنا الجنسية والزواج وإلى ما هنالك من حريات وحقوق. يكون المرء متمثلاً (منصهراً) عندما يحترم حرية الجميع وحرية الاعتقاد ويكون لديه ثقة وشعور الواجب والالتزام تجاه المجتمع.
المصدر: صحيفة يولانس-بوستن
(adsbygoogle = window.adsbygoogle || []).push({});